أمانة ما كلفك الله يا سيادة الرئيس !
يمنات
اذا كانت قوة مركز الرئيس او اي مسئول في الدولة هي من قوة الدولة ومن تعزيز هيبتها ومكانتها في المجتمع فان مكانة رئيس الجمهورية في اوساط شعبه تأتي من كونه معبرا عن جميع المواطنين ومن وقوفه على مسافة متساوية من كل القوى السياسية والاجتماعية المختلفة – بما فيها تلك القوى التي تعارضه او التي لم تنتخبه.
ما يحدث في اليمن اليوم هو العكس تماما حيث تجد رئيس الجمهورية يبدو طرفا في الصراع بل ومنحازا لأطراف بعينها في الصراع… يحمل ضغائنها وخصوماتها الشخصية والسياسية تجاه بقية فئات وقوى المجتمع الاخرى دون حاجته وحاجة اليمن الى ذلك بل هي خصما من هذه الحاجة واضعافا مباشرا لها.
خلال ثلاثة عقود او يزيد كانت الدولة اليمنية هي الاضعف والاكثر عرضة للخصم من مكانتها وهيبتها امام مراكز النفوذ القبلي والعسكري التي تغولت على الدولة والمجتمع معا والتي ادت او كادت ان تؤدي عشية ثورة فبراير الى انهيار الطرفين معا وتحديدا حين تحول مركز السلطة الأول الى طرف صراعي ضدا على بقية اطراف المجتمع المختلفة .
كانت تلك هي سياسة الرئيس السابق علي عبد الله صالح تجاه الدولة وتجاه بقية فئات وقوى المجتمع المختلف ويبدو انها ايضا سياسة من تحالفوا معه طوال العقود التي حكم بها اليمن قبل وبعد الوحدة ويريدون تكرارها اليوم مع من يعتبرونه حليفهم الجديد، ربما للوصول الى نفس النتيجة وهي اشعار الرئيس هادي ان لا احد معه – حليفا – سواهم من ناحية وتكتيل بقية فئات وقوى المجتمع المختلفة ضده من ناحية اخرى لا بسبب موقف شخصي او سياسي من الرئيس بل لكون الرئيس يتبنى كل سياسات الخصوم ضدهم.
اعرف بان الذي شن حرب 1994م على الجنوب وعلى شركاء الوحدة لم يكن الرئيس هادي وان كان قد شارك فيها بهذه الدرجة او تلك فلانه كان مسؤولا فيما سمي حينها "بالشرعية" وجزء من قيادة الجيش الذي كان يأتمر بأمر صالح ورموز حكمه المقربين اجتماعيا وسياسيا وايدلوجيا وبالمثل لم يكن هادي مسئولا بصورة مباشرة او بدوافع شخصية عن تفجير حروب صعدة الستة وبالتالي ما كان يجب ان يتحمل الرئيس هادي اليوم الموقف نفسه الذي يتحمله صالح ورموز حكمه المقربين تجاه ضحايا او اطراف الحروب والصراعات والخصومات السابقة التي خاضوها سواء في الجنوب او في صعدة على الاقل من الناحية الشخصية والنفسية ولكن هذا هو ما يحدث اليوم للأسف الشديد.
لا اعرف ان كان رئيس الجمهورية قد اجرى اتصالا مباشر ولو عبر التلفون مع الرئيس علي ناصر محمد او مع الاستاذ علي سالم البيض والمهندس حيدر ابو بكر العطاس او اي من قيادات الحراك الجنوبي والمرجح انه لم يجر اي اتصال مباشر حتى الان مع زعيم جماعة "انصار الله" السيد عبد الملك الحوثي غير ان ما اجزم به اكثر كمراقب هو ان الرئيس هادي يتعامل مع جميع هذه الشخصيات والاطراف كخصوم سياسيين وربما شخصيين وليس كأطراف يمنية في عهد جديد يفترض انه قد تخفف من كل ضغائن العهد السابق تجاه هذه الشخصيات .
ليس هذا وحسب بل ان احزاب وقوى سياسية ومدنية عديدة بعضها يشارك هادي في السلطة الانتقالية وبعضها تتمنى له وللمرحلة الصعبة ان تمر بسلام الا انه كرئيس لايزال وبدون مبرر او سبب يعزل نفسه عنها ويتحاشى الاقتراب منها او الحوار معها في قضايا هامة وحيوية هي من صميم اهتماماته ومسئولياته وبما يعزز مؤسسة الرئاسة وبقية مؤسسات الدولة والمجتمع ويخفف عوامل التوتر والصراع فضلا عن علاقتها المباشرة بقضايا الحوار الوطني والمرحلة الانتقالية عموما.
والحقيقة انه وما عدا اللقاءات المحدودة التي اجرها مع بعض رموز مشايخ القبائل وبعض رموز رجال الدين والتيارات السلفية عشية الحملة العسكرية على انصار الشريعة في ابين بالإضافة الى اصطحابه للقائد علي محسن في بعض زياراته الاقليمية وبعض لقاءاته العسكرية هنا وهناك فانه لم يلتق حتى الان – رغم مرور قرابة العام من توليه السلطة – باي من ممثلي الفئات والقوى الاجتماعية والسياسية والمدنية اليمني بما فيها الاحزاب والمنظمات المدنية والحقوقيين والادباء والصحفيين وغيرهم من القوى الفاعلة والمتطلعة لعهد جديد ودولة مدنية لكل اليمنيين.. حتى المؤتمر الشعبي العام الذي يشغل الرئيس فيه منصب الامين العام يظهر الرئيس وكانه يتحاشى الاقتراب منه فضلا عن الارتكاز على شعبيته سياسيا واجتماعيا وهو امر غريب ولا مبرر له او تفسير سوى ان الرئيس يخشى بعض الاطراف النافذة من حوله وامكانية ان تكرر ما سبق وان عملته مع سلفه او انه بالفعل قد حسم امر التحالف مع هؤلاء بصورة جدية ونهائية وبما يجعله طرفا في الصراع والخصومات التي خاضوها من قبل ويخوضونها الان وحتى هذا يظل تفسيرا غير منطقيا لفهم انزواء وانكفاء الرئيس تجاه بقية اطراف المجتمع وقواه السياسية والمدنية الاخرى.
لقد كان على رئيس الجمهورية ان يدرك ومنذ توليه السلطة بان من ذكروا انفا من القوى والشخصيات وبالذات رموز الحراك في الجنوب والحركة الحوثية هم في الاساس مواطنون يمنيون وهو رئيسهم أيا كانت درجة الخلاف السياسي والفكري معهم كما انهم من ناحية اخرى اطراف كبيرة واساسية في الحوار الوطني الذي يجري التحضير له برعاية واشراف رئيس الجمهورية نفسه وبقاء الوضع كما هو عليه من الناحية النفسية امر غير مفهوم وغير مبرر بالنسبة لرجل هو المعني الاول والمباشر بإنجاح الحوار ووصوله، وبالتالي وصول اليمن الى بر الامان مع ملاحظة ان هذه الشخصيات والقيادات هي الاخرى معنية ايضا بالانفتاح على رئيس الجمهورية وعلى النخبة السياسية في صنعاء وتحرير نفسها من الضغائن الشخصية والحواجز النفسية التي تحول دون قدرتها على طرح القضايا بوضوح ومصداقية اكثر بكثير مما هي عليه الان.
يبقى ان نقول مرة اخرى بان الحواجز النفسية المصطنعة وضرورة كسرها واشعار كل هذه الاطراف بان الرئيس لا يحمل حزازات وضغائن شخصية مع قياداتها وضرورة وقوفه من الجميع موقفا ايجابيا وعلى مسافة متساوية من الجميع كرئيس للجميع امر في غاية الاهمية في حلحلة عقد الازمة اليمنية التي يبدو ان بعضها شخصي وليس موضوعي او انها موضوعية ولكن مدخل حلها يبدا بكسر العقد الشخصية لا طرافها.
غير انه وحتى اشعار اخر فان المشكلة هي في انكفاء الرئيس وفي كثرة توجساته الامنية والسياسية وفي طبيعة تحالفاته الضيقة ولكونه وحتى الان وفي كثير من قراراته وتصرفاته يظهر باعتباره رئيسا لطرف يمني بعينه وبعض الاحيان لأشخاص بعينهم كاللواء علي محسن الاحمر واللواء غالب مطهر القمش وحلفائهما التقليديين من نظام العهد السابق وليس رئسا لكل اليمنيين وكل القوى الاجتماعية والسياسية اليمنية بل ويبدو في كثير من الاحيان خصمها حميما .
دعوني اتجاهل في نهاية الحديث عن دور القوى الاقليمية في بقاء الرئيس الانتقالي مقيدا في علاقته مع معظم فئات شعبه وفي اصرار بعض تلك الدول على بقاء وتغول بعض رموز النظام السابق فهذه تظل دول مستقلة ولها مصالحها المحترمة ولا يمكن ان تضحي بها لصالح هذا الشخص او ذاك اذا لم تكن المشكلة هنا في اليمن ولدى بعض من يجعلونها غطاء لعجزهم وفشلهم وعزلتهم السياسية والوطنية مع شعبهم.
* تغريدة
بالله عليك يا سيادة الرئيس ما كلفك الله تتحمل كراهية غالبية ابناء الشعب لأكثر رموز النظام السابق فسادا واستبدادا الا تعرف بان مجرد بقاء غالب مطهر القمش على راس جهاز الامن الوطني يمثل – بغض النظر عن شخصه – استفزازا للآلاف من ضحايا جهازه القمعي منذ الثمانينات وحتى اليوم وبالذات اولئك الذين حسبوا على الحزب الاشتراكي والناصري ولاحقا الحوثي.
عن: الأولى